كيف تحقق البنوك أرباحًا كبيرة في ظل الأزمات والانكماش الاقتصادي؟

في ظل الأزمات المالية والانكماش الاقتصادي، تتوقع العديد من الناس أن تتراجع أرباح البنوك بشكل كبير، نظرًا لتراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع مخاطر الائتمان. ومع ذلك، تُظهر التجربة في العديد من البلدان، بما في ذلك فلسطين، أن البنوك لا تزال قادرة على تحقيق أرباح مهمة، بل غالبًا زيادة ربحيتها رغم الظروف الصعبة. لفهم ذلك، يجب تحليل آليات الربحية البنكية وكيف تعمل في فترات الركود.
1. رفع أسعار الفائدة وتوسع هوامش الربح
من أهم العوامل التي تزيد ربحية البنوك في أزمنة الأزمات هو ارتفاع أسعار الفائدة. ففي الأزمات التضخمية أو في سياقات رفع معدلات الفائدة من قبل البنوك المركزية، تستفيد البنوك من الفرق بين الفائدة التي تدفعها على ودائع العملاء والفائدة التي تتقاضاها على القروض. هذا الفرق يُعرف بهامش الفائدة الصافي (Net Interest Margin) وهو مصدر رئيسي لأرباح البنوك. عندما ترتفع الفائدة، يرتفع هامش الفائدة البنكي عادةً ما ينعكس في زيادة الأرباح.
حتى في فلسطين حيث لا يوجد بنك مركزي محدد يؤدي نفس الدور في تحديد أسعار الفائدة، فإن أسعار الفائدة العالمية المتزايدة تؤثر بشكل غير مباشر على السوق البنكي الفلسطيني لأنها مرتبطة بالعملات الأجنبية والمحلية.
2. إدارة المخاطر وتحسين جودة القروض
في الأزمات والتحولات الاقتصادية، تتجه البنوك الناجحة إلى تحسين إدارة المخاطر عبر:
- زيادة الاحتياطيات للمخاطر المحتملة.
- تقليل الاعتماد على القروض الضعيفة والمؤشرات عالية المخاطر.
- إعادة تقييم المخصصات حسب المخاطر الفعلية للديون.
تشير بيانات الأسواق المالية في فلسطين إلى أن بعض البنوك أعادت تقييم مخصصات الخسائر الائتمانية المتوقعة، مما ساعدها على تحقيق أرباح صافية أكبر بنسبة 40% في الربع الأول من 2025 مقارنة بالعام السابق.
3. تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على الفائدة فقط
البنوك الحديثة لا تعتمد فقط على الفوائد كدخل، بل توسعت في مصادر دخل أخرى مثل:
- الرسوم والخدمات البنكية (التحويلات، الحسابات، إدارة الأصول).
- العمولات على بطاقات الائتمان والخدمات الرقمية.
- أنشطة الاستثمار والتداول.
بحسب أبحاث اقتصادية، تنويع مصادر الدخل يعزز الربحية حتى في الوقت الذي تتقلص فيه بعض مصادر الفائدة التقليدية أثناء الأزمة، مما يساعد على توازن الأداء البنكي خلال فترات الضغط الاقتصادي.
4. قدرة البنوك على امتصاص الصدمات والحفاظ على السيولة
عوامل مهمة أخرى تساهم في استمرار الربحية رغم الأزمة:
- الملاءة المالية المرتفعة، التي تعني أن البنوك لديها رأس مال قوي يمكنه امتصاص الخسائر المحتملة دون انهيار.
- نسب السيولة القوية التي تبقي البنك قادرًا على تلبية متطلبات السحوبات والالتزامات دون اضطرابات.
حتى في وضع فلسطيني معقد، تسعى البنوك للحفاظ على مستويات عالية من السيولة والالتزام بالمعايير المالية السليمة لضمان استقرارها وقدرتها على العمل بفعالية.
5. مقارنة مع أرباح البنوك في فلسطين
على الرغم من التحديات التضخمية والاقتصادية والاستثمارية، حققت البنوك في فلسطين أرباحًا معتبرة:
🔹 وفق بيانات حديثة، حققت البنوك السبعة المدرجة في بورصة فلسطين أرباحاً صافية بلغت نحو 28.9 مليون دولار في الربع الأول من 2025، بزيادة 40% عن نفس الفترة في 2024.
🔹 بينما شهدت أرباح البنوك في فلسطين هبوطًا في عام 2024 إلى 43.5 مليون دولار بعد الذروة القياسية في 2022، بناءً على بيانات اقتصادية.
هذه النتائج تشير إلى أن رغم الانكماش الاقتصادي والضغوط السياسية والمالية، البنوك استطاعت إدارة مخاطرها بذكاء، والحفاظ على أرباحها بطرق متعددة.
6. الخلاصة: لماذا تحقق البنوك أرباحًا رغم الأزمات؟
يمكن تلخيص أسباب تحقيق البنوك لأرباح كبيرة في الأزمات الاقتصادية بالآتي:
- رفع أسعار الفائدة وزيادة هامش الربح بين ما تدفعه على الودائع وما تحصل عليه من القروض.
- تحسين إدارة المخاطر وإعادة تقييم القروض لتقليل الخسائر المحتملة.
- تنويع مصادر الدخل البنكي بعيدًا عن الفائدة فقط.
- الحفاظ على سيولة كافية وملاءة مالية قوية تتيح للبنوك العمل بثقة حتى في أوقات الضغط.
بشكل عام، تظهر البيانات أن البنوك الفلسطينية رغم التضخم والظروف الاقتصادية الصعبة، استطاعت تحقيق أداء ربحي قوي نسبيًا عبر تبني ممارسات مصرفية حذرة وتنويع مصادر دخلها.



